لطالما كان العمر مجرد رقمٍ يزداد واحداً كل عام، عندما كنت
طفلة كان علامةً على اقترابي من الكبار المدهشين في حياتي،
وفي سنوات المراهقة قلقاً يلوح في الأفق حول المستقبل المجهول،
ولكن في كلى الحالتين كان العمر بالنسبة لي شيئاً خاصاً بي وبسذاجة
اعتقدت أن لا تأثير له على من حولي.
تغيرت هذه النظرة قبل بضع سنوات حين أصابت مصيبة الموت لأول مرة
فرداً من عائلتي القريبة، أود أن أقول أنه باغتني، ولكن الواقع أن جدي كان
في منتصف التسعينيات ورغم أنه كان صحيحاً إلى أن الموت لم يكن ببعيدٍ عنه
في مثل هذا العمر، ولكني لم أمنح هذه الفكرة أي مساحة من بالي، لقد كان
جدي هنا منذ ولادتي، وعشت معه ربع قرنٍ من الزمان ولم يكن لدي أي سبب
للتفكير في أنه يوماً قد يحل لن يكون فيه موجوداً في هذه الدنيا، ولكن هيهات!
حل اليوم على حين غرة لأجد نفسي في ذلك العالم الذي لم أتخيله من قبل.
وبعد الصبر والاحتساب وجفاف الدموع جلست مع نفسي لأفكر؛ حياتي حتى
تلك اللحظة اقتضت تنقلاً مستمراً وحاجة دائمة إلى فراق كل من وما أعرفه،
وكانت عائلتي هي الشيء الوحيد الثابت في حياتي فمهما تغيرت مدينتي
ومنزلي وأصدقائي ظلت عائلتي عنصراً ثابتاً، ولكن اضطدح أن هذا الثابت
في الواقع متغير مثل غيره.
ولأول مرة أدركت أن -من حولي- أفراد عائلتي العزيزة يتقدمون في العمر
كما أتقدم فيه ويكبرون كما أكبر، وأنه سيأتي اليوم الذي يتحولون لذكرى
وحكايات على ألسنة عائلة جديدة أصطنعها لنفسي.
هذه سنة الحياة ولا اعتراض لي عليها ولكني ما زلت أتعجب أني لم أفهمها
إلا عندما مستني شخصياً، ولا أنكر النعمة التي كنت فيها حيث أني قضيت
ربع قرن من العمر غافلةً عن هذه الحقيقة البديهية التي يتعلمها الكثير قبل
أن يكونوا مستعدين لها ولكن ستمر عدة أشهرٍ قبل أن أفهم تماماً هذه الحقيقة
وقبل أن يقتلع الموت فرداً آخر من عائلتي بعد عامٍ آخر.
اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة،
واجمعنا بهم في الفردوس الأعلى يا رب العالمين.
متى كانت أول مرة اكتشفتهم فيها أن العمر لا يفرق بين أحد؟
0 تعليقات